في قراءته لمشروع قانون المسطرة الجنائية، خاصة علاقة قاضي التحقيق بالمحامي وتسليمه وثائق الملف، سلط الأستاذ محمد أغناج محامي بهيئة الدار البيضاء الضوء على الموضوع.
وأفاد المحامي أغناج في تصريح لـ”الأنباء تيفي”، أن ما جاء في مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي صادق عليه مجلس الحكومة حاليا بخصوص التعديل المدخل على المادة 139 يطرح تساؤلا جوهريا حول القيمة القانونية لقرارات المحكمة الدستورية.
وفصل أغناج أن الفصل 134 من الدستور ينص على أنه “لا تقبل قرارات المحكمة الدستورية أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية”. بالتالي فالقرارات التي تصدرها المحكمة الدستورية والقواعد التي تقررها لها نفس قيمة قواعد الدستور وتسمو على كل قانون، ولا يمكن أن يخالفها أي مقتضى تشريعي أو تنظيمي.
وأوضح المحامي أغناج أنه قد سبق لمجلسي البرلمان أن صادقا على مقترح قانون يقضي بتغيير المادة 139 من القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية ينص على ما يلي: “يمكن لكل من محامي المتهم ومحامي الطرف المدني الحصول على نفقتهما على نسخة من محضر الشرطة القضائية وباقي وثائق الملف. غير أنه يمكن لقاضي التحقيق تلقائيا أو بناء على ملتمسات النيابة العامة، أن يأمر بعدم تسليم نسخة من المحضر أو باقي وثائق الملف كليا أو جزئيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، متى تعلق الأمر بالجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من هذا القانون أو بجرائم الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر أو غسل الأموال.
يقبل أمر قاضي التحقيق الصادر بالقبول أو الرفض الاستئناف خلال اليوم الموالي لصدوره طبقا للمقتضيات المتعلقة باستئناف أوامر قاضي التحقيق.
ويستمر أمر المنع الصادر عن قاضي التحقيق إذا تعلق الأمر بطعن بالاستئناف في أحد قراراته أمام الغرفة الجنحية، حيث يتعين على رئيسها المحافظة على سرية الملف والوثائق المدرجة به طيلة مراحل المسطرة.
تبت الغرفة الجنحية بقرار غير قابل لأي طعن داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تقديم الطعن”.
وفي جميع الأحوال، يضيف المحامي أغناج، ينتهي مفعول الأمر بعدم تسليم الوثائق المذكورة قبل 10 أيام من تاريخ الاستنطاق التفصيلي الذي يستدعى له المحامي وفق الإجراءات المبينة في الفقرة الثانية أعلاه.
بالإضافة إلى وجوب الحفاظ على سرية التحقيق، يمنع على المحامي تسليم نسخة من المحضر أو الوثائق التي يحصل عليها عملا بمقتضيات هذه المادة لأي كان. ويعاقب على خرق هذا المقتضى بالعقوبات المقررة في الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي …
وأوضح المتحدث أن 87 عضوا بمجلس النواب تقدموا آنذاك، بطلب إحالة هذا القانون على المجلس الدستوري (قبل إقرار القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية وفق دستور 2011). حيث أصدر هذا الأخير بتاريخ 13 غشت 2013، قراره عدد 921/13 والذي قرر عدة قواعد دستورية، وهي:
– إن حق الدفاع ينطوي على حقوق أخرى تتفرع عنه، من ضمنها حق الاطلاع والحصول على الوثائق المدرجة في ملف الاتهام المتوفرة لدى النيابة العامة، مراعاة لمبدأ التكافؤ بين سلطتي الاتهام والدفاع؛
– إن أمر قاضي التحقيق بعدم تسليم محضر الشرطة القضائية وباقي وثائق ملف القضية كليا أو جزئيا، باعتباره استثناء يمس بمبدإ تمتع الجميع بنفس حقوق الدفاع المضمونة أمام المحاكم بمبدأ المساواة بين المتهمين، إذا كانت تبرره مستلزمات حسن سير التحقيق في جرائم من نوع خاص، فإن ممارسته يجب أن يراعى فيها تخويل محامي المتهم ومحامي الطرف المدني، بعد تسليمهم نسخة من ملف القضية كاملا، الحيز الزمني الكافي المتناسب مع نوعية الجرائم المذكورة، قصد إعداد دفاعهم؛
– لئن كانت مقتضيات القانون رقم 129.01 القاضي بتغيير المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية أتت بضمانات من شأنها الإسهام في صيانة حقوق الدفاع في مرحلة التحقيق، فإن امتداد مفعول الأمر بعدم تسليم محضر الشرطة القضائية وباقي وثائق الملف، كليا أو جزئيا، إلى محامي المتهم ومحامي الطرف المدني، وعدم انتهائه إلا عشرة أيام قبل بدء الاستنطاق التفصيلي، من شأنه أن يخل بمبدإ التوازن بين حسن سير التحقيق وحسن ممارسة حقوق الدفاع، الذي يعد من ضمانات المحاكمة العادلة، مما يجعل القانون رقم 01. 129 المذكور، من هذه الوجهة، غير مطابق للدستور.
وأضاف أنه بناء على هذه القواعد اعتبر المجلس الدستوري هذه المقتضيات غير دستورية.
وواصل المحامي أغناج تحليله، بالتأكيد على أن المشروع الحالي أعاد نفس مقتضيات التعديل الملغى مع تمديد الفترة الفاصلة ما بين تمكين المحامي من وثائق الملف، وما بين الاستنطاق التفصيلي، بجعلها خمسة أيام بدلا عن عشرة أيام المقررة في التعديل الملغى. لكن مشرع المشروع لم ينتبه لأهم قاعدة جاء بها قرار المجلس الدستوري وهو مبدأ التكافؤ ما بين سلطة الاتهام والدفاع.
واعتبر أغناج أن سلطة الاتهام هي التي أشرفت على البحث التمهيدي بما لها حاليا من سلطات واسعة وخصوصا بما يمنحها المشروع من سلطات أوسع وأخطر. وهي من اطّلعت على مجرياته. وهي من اطّلعت على جميع وثائق الملف قبل وأثناء احالة الملف عليها. وتحتفظ بنسخة من هذه الوثائق لتواكب عمل قاضي التحقيق. في حين أن الدفاع لم يطلع بعد على اية وثيقة اطلاعا حقيقيا. وبالتالي نكون أمام عدم تكافؤ واضح ما بين الأطراف.
وقال المحامي المنتمي لهيئة الدار البيضاء: “كنت شخصيا انتظر إعمال القاعدة الدستورية التي جاء بها هذا القرار والنص على تمكين الدفاع من نسخة من وثائق الملف قبل عرض الملف على النيابة العامة في إطار مسطرة التقديم. ليكون دفاع المتهم على بينة من جميع مجريات القضية ويتمكن من تحقيق التوازن في القرار القضائي المنتظر من خلال عرض حجج الاتهام وحجج الدفاع في تكافؤ”.
وأضاف: “لذلك أعتبر أن المشروع لم يأخذ بعين الاعتبار قواعد دستورية حقوقية. وهذا بغض النظر عن كون المشروع قصر ما يمكن أخذ نسخ منه على “المحضر والوثائق”، مع العلم أن المساطر التي تحال على النيابة العامة قد تتضمن تسجيلات صوتية ومرئية ووثائق إلكترونية أو مسجل على حوامل رقمية.
لذلك كان يتعين على المشرع تحقيقا للتكافؤ الذي هو مبدأ دستورية، حسب المحامي، أن ينص على أن لدفاع الأطراف الحصول على نفس الملف الذي تحتفظ به النيابة العامة بجميع مشتملاته.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...