كثير هي الآراء الجاهزة، والاحكام والظنون المسبقة والسريعة عن الاخرين، سواء كانت سلبية أو إيجابية. والتي غالبا ما تكون نتيجة فهمنا الضيق والخاطئ أو بسبب تنبؤاتنا المتسرعة اتجاههم، دون وعي منا أو تركيز. فمثلا إذا أخذ الشخص منا فكرة مسبقة عن شخص أخر على أنه غير صالح ومهمل وخائن وسارق وكاذب وغيرها من الصفات والأمور السلبية السيئة، فأكيد أنه سيتعامل ويتصرف معه على هذا النحو والأساس، كما أن الطرف الأخر حتما حينما يشعر بكل هذه الانتقادات والاحكام الموجهة له سوف يتصرف ويتعامل مع الطرف الاول بكل حذر وعدم ثقة مما يجعل علاقتهما مصيرها الانغلاق والانتهاء من أولها، وهذا بلا شك سيشكل نوعا من التصادم والصراع الابدي بينهما، كما سيخلق فيهما شخصيات تصادمية أسسها وركائزها الشك وسوء الظن الدائم ، فمثلا من يأخذ فكرة عنصرية متعالية ومتكبرة عن الطرف الأخر، فمن الأكيد أن تصرف الطرفين سيكون غالب عليه نوع من الحذر والشك وعدم الثقة، والغريب في الأمر أن هذه التركيبة والشخصية كثيرا ما اصبحنا نشاهدها داخل بيوتنا وعلاقاتنا الأسرية، بعدما كانت تقتصر في السابق فقط على اطار العمل أو العلاقات الدولية بين بعض الشعوب التي ترى في نفسها نوعا من الامتياز مقارنة مع قريناتها، مما يخلق نوعا من النزعة العنصرية والامتياز الطبقي والتوتر والفراغ المجتمعي الخداع، والذي في الكثير من الأحيان ما يشكل بقع عمياء سوداء تصعب ازالتها داخل عقولنا وافكارنا الا من رحم الله منا، كما هو الحال بالبقعة العمياء التي توجد في شبكة أعيننا والتي تنعدم فيها الرؤية تماما، وهي شبيهة بأثار الجرح الناتج عن العمليات الجراحية * Cicatrisation* والتي لا تخول لنا رؤية واستقبال الضوء القادم من الخارج، ولا نشعر بتأثيرها وذلك بسبب قيام الدماغ بتعبئة ذلك النقص بمهارة، من خلال الاستعانة بالصور حول البقعة العمياء والتلميحات البصرية من البيئة المحيطة. وكعادة مقالاتي أحببت مشاركتكم قصة واقعية لتكون عبرة ” حيث يحكى ان سيدة فقدت مجوهراتها، فاشتبهت في جارتها أنها سرقته منها، فبدأت تراقبها وتحكم على مشيتها وكلامها وملامحها كالسارقة، فأمضت يومها تفكر كيف تواجهها بالأمر؟ وفي المساء عثرتُ عليها، لقد كان طفلها الصغير يلعب بها ووضعها في علبة ملاعبه. فنظرت الى جارتها في اليوم التالي، فلم تجد فيها شيئا يشبه سارقة مجوهراتها، حيث وجدتها كالأبرياء تمامًا، فأدركت بأنها هي السارقة، التي سرقتُ من جارتها البريئة أمانتها وذمتها. فكل هذه المعطيات والنتائج تجعلنا نستنتج أن هناك أكيد بقع عمياء كثيرة أكثر مما نتصور تتواجد في دماغنا ورأسنا على الرغم من عدم إثباتها طبيا، هذه الأخيرة التي تجعل أفكارنا وأحكامنا المسبقة تكون متشتتة وسلبية وجاهزة الاحكام السريعة، يمكنها أن تعيق تفكيرنا بشكل سليم، مما يجعلنا نأخذ ونستنتج أفكارا وقرارات حسب ردود فعلها، فبالتالي نقذف بالأخرين بأحكام مسبقة وسريعة، وهذا بالفعل ما أصبحنا نشاهده ونراقبه عبر العديد من المواقع التواصل الاجتماعية الدخيلة على مجتمعاتنا بلا مراقبة صريحة، حيث نرى ونسمع أناس يقذفون أناس لمجرد أنهم أبدو آرائهم بشيء لا يتناسب مع اختياراتهم وآرائهم وافكارهم وتوجهاتهم، فيتم الحكم عليهم فقط من خلال هذا الجزء دون الاستعانة بالأجزاء الكاملة التي ربما أو من الأكيد اذا ما منحوا انفسهم عناء مشاهدتها وسماعها وقراءتها أنهم سيغيرون حكمهم السلبي الى الإيجابي. لذا فمن الواجب والأرجح أن نحسن الظن والثقة في الآخر. ونجسد النبوءات الحسنة التي بداخلنا، ولنقلل من القدف بالأخرين والحكم عليهم دون سبب أكيد ومقنع، حتى نتمكن من تشكيل علاقة حسنة ومتينة يغمرها السلم والحب والود والوفاء والثقة بداخل عقولنا وبيوتنا ومجتمعاتنا، لهذا التمس أن ننظف البقع العمياء والسوداء التي بداخلنا وذلك ببعض الكريمات والمضادات الحيوية التالية: الابتعاد عن العادات والتصرفات المبرمجة والقرارات الجاهزة والسريعة دون تفكير. عمد اتخاذ القرارات السريعة، خشية اتهامنا بالجهل او التخلف او عدم الخبرة. الحث على عدم الاكتفاء بقراءة الخاتمة دون التعمق في الكتاب نفسه لفهمه بدقة كما يفعل الكثير منا اليوم. حتى نعرف الحقائق لاستخلاص النتائج الجيدة. عدم اتهام وتحميل الأخرين اخطائنا دون سبب. واختم مقالي ببيت المتنبي الذي يقول فيه اذا ساءَ فِعلُ المَرءِ ساءَت ظُنونُهُ * وَصَدَّقَ ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّمِ وَعادى مُحِبّيهِ بِقَولِ عُداتِهِ * وَأَصبَحَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمِ
الجمعة 23/05/2025
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...