“المغرب لا يتفاوض على صحرائه ومغربية الصحراء لم تكن يوما ولن تكون ابدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات” بهذه العبارات الملهمة لصاحب الجلالة استهل مقالي هذا وأنا وبكل فخر واعتزاز انتمى لهذا الوطن الحبيب المغرب والملك الغالي على القلوب وموحد ترابه من شماله وجنوبه وشرقه وغربه وحاميه بكل عزم من كل عدو. فلا شك أن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة المغربية هو أبرز الحلول الواقعية والسياسية التي تتيح تسوية عادلة ومستدامة لقضية الصحراء المغربية، إذ يفتح آفاقًا جديدة أمام الاندماج الوطني للساكنة الصحراوية مع إخوانهم بالداخل، والتنمية المحلية، والمشاركة الديمقراطية. غير أن تنزيل هذا المشروع وانجاحه بالشكل الذي يرغبه جلالة الملك نصره الله لا يتحقق بمجرد النصوص أو الخطابات، بل يتطلب مجموعة من الشروط الجوهرية التي تمنحه المصداقية، وتضمن تحقيق أهدافه الكبرى، وعلى رأسها استرجاع جميع المناطق حتى العازلة منها وتوحيدها تحت مظلة السيادة الوطنية المغربية الكاملة. وخلق الثقة لدى إخواننا الصحراويين وتهيئتهم للعمليات التنموية المستقبلية وانخراط كل المغاربة لترجمة الوعود إلى واقع ملموس حتى يتسنى لنا بناء مؤسسات حكم ذاتي تتمتع بالكفاءة، والشفافية، والاستقلال الإداري، مع تمكين النخب الصحراوية الحقيقية – المحبة لوطنها وملكها ولم شمله – من تولي المسؤوليات. فكل مشروع يفقد مصداقيته حين تتحكم فيه المصالح الشخصية أو الحسابات الضيقة، ويستعيدها حين يكون مبنيًا على التمثيل الصادق والعدالة في توزيع المسؤوليات. لان من اهم الركائز الحقيقية لاي حكم ذاتي داخلي ناجح هي: أولا: ترسيخ التنمية الاقتصادية والتنموية المستدامة لا لتعطيلها. وهذا يتطلب إزالة كل العوائق التي تعرقل المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية في الأقاليم الجنوبية، وتشجيع المبادرات المحلية القائمة على مقاربة تشاركية. كما ينبغي دمج الطاقات الصحراوية الحرة في مسار التنمية الجماعية، وتمكينها من المساهمة في استغلال الثروات الطبيعية، وتدبير الموارد المحلية بطريقة شفافة ومستدامة. ثانيا: نشر الوعي والثقافة الوطنية لان النجاح الحقيقي للحكم الذاتي لا يقاس بالمشاريع المادية فقط، بل كذلك بمستوى الوعي الوطني والثقافي. فتعزيز الثقافة الصحراوية الأصيلة وربطها بالهوية المغربية الجامعة يشكلان عنصرًا أساسيًا في ترسيخ الانتماء والولاء للوطن. كما أن نشر الوعي السياسي والثقافي بين الشباب الصحراويين يساعد على مواجهة دعايات الانفصال، ويخلق شعورًا بالمسؤولية الجماعية تجاه مستقبل المنطقة. ثالثا: الابتعاد وتجاوز الأنانية وترسيخ روح الجماعة لان من أبرز العقبات التي قد تواجه أي مشروع تنموي أو سياسي في الصحراء هي الأنانية الزائدة والانقسام الداخلي. لذلك فإن المرحلة القادمة تتطلب تجاوز المصالح الفردية الضيقة، والعمل بروح الجماعة والمواطنة. فالحكم الذاتي الداخلي ليس غنيمة توزع، بل مشروع وطني جماعي يتطلب تعاون جميع المكونات: الدولة، والمجتمع المدني، والشباب، والقبائل، والنخب الفكرية والاقتصادية. واخيرا: بناء الثقة وحب الوطن لأنه لن يكتمل نجاح الحكم الذاتي إلا بترسيخ حب الوطن في قلوب الصحراويين، عبر سياسات إدماج عادلة، وإشراك فعلي في القرار المحلي، وإبراز ثمار التنمية على أرض الواقع. فحين يشعر المواطن الصحراوي أنه جزء فاعل ومؤثر في بناء وطنه، تزول كل الولاءات الوهمية، ويصبح الدفاع عن الوحدة الترابية قناعة نابعة من الداخل لا مفروضة من الخارج. إن الحكم الذاتي الذي اقترحه العاهل المغربي يحفظه الله ليس مجرد حل إداري، بل هو مشروع حضاري وتنموي متكامل يهدف إلى تحقيق العدالة، والاستقرار، والكرامة لجميع الصحراويين. ومتى توافرت له المصداقية السياسية، والنجاعة الاقتصادية، والوعي الثقافي، وروح الوطنية الصادقة، فإنه سيشكل لا محالة السبيل الأنجح نحو بناء مغرب كبير ومتكامل بكامل ترابه الوطني حتى الجزء المعزول منه، وبناء صحراء مزدهرة وموحدة في كنف الوطن الأم المغرب والقيادة الرشيدة والحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وايد.
*بقلم عبد العالي بطل
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...
body.postid-1152232