دافع مصطفى الرميد، وزير الدولة ووزير العدل الأسبق، بقوة عن الدعوة الملكية الاستثنائية إلى عدم ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى لهذه السنة، معتبرا أن القرار يأتي في سياق ظرفية اقتصادية واجتماعية دقيقة تمر بها البلاد، ويتأسس على اجتهاد شرعي جماعي يوازن بين الحفاظ على الشعائر الدينية والمصلحة العامة للمواطنين.
وفي تدوينة مطولة نشرها على صفحته الرسمية، كشف الرميد أن دعوة الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، سبقتها مشاورات واسعة وتأمل عميق في تداعيات الإبقاء على شعيرة الذبح في ظل الارتفاع الصاروخي لأسعار اللحوم والانخفاض المهول في عدد رؤوس الماشية، بسبب توالي سنوات الجفاف، ما يهدد بانفجار اجتماعي حاد، خاصة بين الأسر الفقيرة.
الرميد أشار إلى أن شعيرة الذبح، رغم كونها سنة مؤكدة في الإسلام، تحولت عبر الأجيال إلى عادة اجتماعية مترسخة، وهو ما يزيد من وطأتها على الفئات الهشة التي تشعر بالحاجة إلى ممارستها حتى لو كانت على حساب أوضاعها المعيشية. وفي هذا السياق، اعتبر الرميد أن تدخل الملك يندرج في إطار “رفع الحرج” عن المواطنين وتخفيف الضغط عنهم، خاصة في ظرفية تعرف تدهورا في القدرة الشرائية واحتقانا اجتماعيا.
ولم يتردد الرميد في توجيه انتقادات حادة لمن وصفهم بـ”الغلاة المتنطعين” و”عبّاد الدوارة”، في إشارة إلى من يصرون على الذبح رغم التوجيه الرسمي بعدم ذلك. واعتبر أن هذه الفئة تسيء إلى الدين من حيث تعتقد أنها تحافظ عليه، مشددا على أن الإصرار على الذبح في هذه الظروف لا يعكس تقوى بقدر ما يعبر عن تسرع وسوء تقدير.
الرميد سلط الضوء على البعد الاقتصادي للقرار، لافتا إلى أن أسعار الأضاحي كانت ستشهد ارتفاعا كبيرا لولا التدخل الملكي، وهو ما كان سيؤدي إلى معاناة آلاف الأسر. وقال إن الحكومة، رغم محاولاتها خلال السنة الماضية لدعم أسعار الأضاحي، لم تنجح في وقف الارتفاع، بل إن الدعم المالي استفادت منه “قلة قليلة دون أثر فعلي على السوق”، وهو ما يبرز، بحسبه، أهمية المقاربة الملكية في معالجة أصل الإشكال لا مظاهره فقط.
وفي خطوة رمزية هادفة، أعلن الرميد أن الملك سيتولى بنفسه الذبح نيابة عن المواطنين، حفاظا على البعد الديني والروحي للشعيرة، مع ضمان احترام باقي مظاهر العيد. واعتبر أن هذا الإجراء يحمل بعد فقهيا عميقا يستند إلى قاعدة “الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة”، مؤكدا أن هذا الاجتهاد يحقق التوازن المطلوب بين النص الديني والمصلحة العامة. وفي ختام تدوينته، دعا الرميد المغاربة إلى التجاوب مع التوجيه الملكي باعتباره صادرا عن أمير المؤمنين، مؤكداً أن احترام هذا القرار يترجم المواطنة الحقّة والتدين الراشد، ويجنّب البلاد مزيداً من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنتج عن الاندفاع العاطفي أو القراءة السطحية للنصوص الدينية. وبهذا الموقف، يسجل الرميد موقفا لافتا في النقاش الدائر حول عيد الأضحى لهذه السنة، جامعاً بين النقد الحاد لتيارات التشدد، والدفاع الصريح عن المقاربة الواقعية التي اعتمدها الملك لتجنيب المجتمع المغربي عبئا إضافيا في زمن الأزمات.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...