إن قيس سعيد، الرئيس الانقلابي الذي وأد أول تجربة ديمقراطية في تونس والعالم العربي، خلق في الفترة الأخيرة أزمة غير مسبوقة مع البلدان الشقيقة جنوب الصحراء.
ومن خلال وصفه لوجود بعض مواطنيها على أرضنا بأنه مؤامرة ضد الهوية العربية الإسلامية لتونس، وبتكرار خطاب العنصريين عن الأجانب المسؤولين عن جميع الجرائم، بما في ذلك جريمة الوجود، أعطى الرئيس إشارة لمطاردة الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء الكبرى لم يسبق لها مثيل في تاريخنا.
نشرت جمعية الطلاب والمتدربين النيجيريين بيانا في 22 فبراير تدعو أعضاءها إلى عدم الخروج ليلا وتجنب بعض الأحياء الشعبية وهو ما يشير إلى الجو المسموم الذي خلقه خطاب رئيس من المفترض أن يضمن السلم الأهلي واحترام القانون والسمعة الدولية لبلده.
إن قيس سعيد، بتصريحاته ذات العنصرية الصريحة، والتي يطبعها التضليل والتبسيط الفظيع، فضلا عن استحضار مؤامرة وهمية، قد عرض للخطر حياة وحرية وكرامة مئات الطلاب الذين جاءوا إلى بلدنا لمتابعة تكوين مفيد لبلدانهم وكذلك المهاجرين الذين يعيشون في أوضاع كارثية.
ولتحويل أعين الشعب عن تدبيره الاقتصادي السيء وإجهازه على سيادة القانون، وعن موجة غير مسبوقة من القمع ضد المعارضة الديمقراطية، أطلق قيس سعيد خطابا شعبويا سخيف المستوى ضد أعداء وهميين، يتهمهم بكونهم مسؤولون عن الوضع الكارثي للبلاد.
وعبر هذا التصرف، أضر قيس سعيّد بشكل خطير بسمعة بلدنا لدى قارة نفخر نحن التونسيون بالانتماء إليها. والأخطر من ذلك هو التبرير الذي يقدمه الرئيس الانقلابي لجميع العنصريين الأوروبيين لمهاجمة مواطنينا في وضع نظامي أو البؤساء الذين يضطرون أيضا إلى اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية هربا من الفقر والقمع. إن الاستقبال الحار لخطابه من طرف المرشح الفاشل العنصري إريك زمور في فرنسا يخبرنا عن تأثير تصريحاته واستعمالها السيئ.
بصفتي أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تونس بعد الانتفاضة الشعبية عام 2011 وأيضا كناشط في مجال حقوق الإنسان، لا أجد الأوصاف الكافية للتنديد بخطاب قيس سعيد العنصري وغير المسؤول.
كما أرحب برد الفعل الفوري لحوالي عشرين جمعية من جمعيات المجتمع المدني التي أدانت هذا الخطاب ودعت إلى مساندة ضيوفنا من جنوب الصحراء الكبرى. ومما يبعث على الاطمئنان بنفس القدر تلك الإدانة بالإجماع التي صدرت عن الطيّف السياسي. هل سيكون هذا كافيا لتبرئة خطيئة ارتكبها رجل لا يمثل، منذ انقلابه الدستوري في صيف عام 2021، سوى نفسه وفئة قليلة من السكان يتضاءل حجمها ودعمها له مع مرور الأزمات والفضائح؟ أرجو ذلك، وأرجو قبل كل شيء، ألا يخلط أصدقاء تونس في العالم بين بلد ونظام انقلابي يائس وليس له مستقبل. أرجو كذلك أن يقبل جميع إخواننا وأخواتنا في جنوب الصحراء اعتذارات كل التونسيين الذين يعرفون حق المعرفة آلام ومعاناة الشعوب التي ما زالت تناضل من أجل العدالة والمساواة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...