يعتبر الإتفاق السعودي/الإيراني بوساطة صينية تحولا نوعيا على مستوى التحالفات إقليميا ودوليا، وبالنظر إلى هذا ” المتغير” الذي يحتاج إلى الدراسة والفهم، فإنه يؤشر وينذر ببروز تحولات لاحقة من الممكن أن تؤدي إلى خلط الأوراق وتشابك الملفات.
أسئلة لابد منها
من أجل محاولة فهم هذا الموقف الجديد، يمكن طرح بعض الأسئلة والفرضيات المرتبطة بسياق التقارب ومضمونه وخلفياته وتداعياته. إذ كيف يمكن قراءة الإتفاق السعودي/الإيراني في التوقيت الراهن؟ ما هو موقف الإدارة الأمريكية من هذا التقارب؟ ما هو سقف هذا التقارب عمليا واجرائيا. هل سيكون الإطار الثابت دبلوماسيا؟ أم سيشمل باقي المجالات الأمنية والإقتصادية والتجارية؟ وما تداعيات ذلك على الملف اليمني؟ ما هو دور الصين في هذا التقارب؟ ما تداعيات هذا الموقف على العلاقات السعودية الإسرائيلية؟
ما هي الرسائل المشفرة للسعودية من وراء هذا التحول؟ ما تأثير هذا التقارب على التحالفات الإقليمية العربية خاصة تجاه الإمارات العربية والمغرب ؟ كيف ستتعامل المملكة المغربية مع هذا التحول؟ هل سيؤثر على التوازنات الإقليمية خاصة في الرقعة المغاربية لاسيما وأن السعودية تعتبر حليفا قويا للمغرب؟
الفرضية الأولى
يمكن تقديم أجوبة أولية من خلال ثلاث مستويات أو فرضيات:
أولا، تحاول السعودية من خلال التقارب أن تضغط على إدارة بايدن لمراجعة علاقاتها وتليين مواقفها تجاه ولي العهد محمد بن سلمان، ويشكل هذا “التمرد السعودي” إن جاز توصيفه بهذا الشكل، استمرار للسياسة التي مافتىء ينتهجها محمد بن سلمان ضد ادارة بايدن، على غرار المواقف السابقة الرافضة لرفع إنتاج النفط مع بداية الحرب الاكرانية/الروسية، وبالتالي، فهذا ” المتغير” لا يعدو أن يكون ” بالون إختبار” لجس نبض الإدارة الأمريكية، ومحاولة إحراجها خاصة أمام حلفاءها مثل إسرائيل وغيرها. وذلك بغرض دفع إدارة بايدن ” لتليين” مواقفها تجاه إدارة محمد بنسلمان. وبالتالي، فمن السابق لاوانه المراهنة كثيرا على التحول الجديد، الذي من المستبعد بحسب هذه الفرضية أن يشكل بداية بروز علاقات صداقة قوية بين الطرفين في ظل تباعد وتعارض المصالح السعودية الإيرانية منذ ثورة الخميني.
الفرضية الثانية
ثانيا، التحول السعودي يؤشر على تغيير بوصلة التحالفات، ومحاولة الإصطفاف ضمن المحور الصيني/الروسي، لاسيما وأن “ميزان القوى” خلال الحرب الروسية الأوكرانية بدأ يميل أكثر لصالح الصينيين، إذ عرت تلك الحرب عن حقائق وتوازنات جديدة على الرقعة الدولية، بفعل ان جل المؤشرات لم تكن لتخدم مصالح الأمريكيين، بحيث أثرت هذه الحرب بشكل سلبي على موقعها وتأثيرها إقليميا ودوليا. وتبعا لذلك، تحاول السعودية بطريقة إستباقية أن تتموقع بشكل جيد وفق قراءة تستحضر كل هذه التحولات الجيوسياسية.
الفرضية الثالثة
ثالثا، هذا التحول الطارئ قد يكون مرده التباين والتباعد في وجهات النظر إزاء المشروع النووي الإيراني بين الأمريكيون من جهة والسعوديون والاسرائيلون من جهة أخرى، حيث بدا واضحا تردد وتخبط إدارة بايدن في معالجة الملف النووي الإيراني. لاسيما وأن هناك تقارير غربية باتت تؤكد قرب إمتلاك إيران للسلاح النووي، إذ لم يعد الامر يتطلب إلا شهور معدودة. وبالتالي، فعدم توجيه ضربة إستباقية –الذي كان ولا يزال يعتبر –مطلبا ملحا لحلفاء أمريكا، من شأنه أن يفقد إدارة بايدن أهم وأبرز حلفاءها في المنطقة. وفي هذا الإطار يمكن فهم الموقف السعودي.
واخير، بغض النظر عن التداعيات المحتملة لهذا المتغير إذا ما جرى إعتماده دبلوماسيا وتم تنزيله من خلال توسيع وتقوية العلاقة مع إيران لتشمل المجالات الأمنية والعسكرية والإقتصادية، فمن المحتمل أن يؤثر هذا التحول على العلاقة المغربية/السعودية، وذلك بالنظر لمجموعة من المعطيات والتوازنات سواء المرتبطة بملف التشيع والعلاقة مع الجزائر وإسرائيل.
* أستاذ العلوم السياسية
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...