احتضت مدينة طنجة ندوة فكرية وإعلامية نظمتها الجامعة الوطنية للإعلام والاتصال، حول موضوع “جريمة الاشادة بالإرهاب وخطاب الكراهية والتطرف: أية معاجة إعلامية؟”، وذلك إحياء للذكرى العشرين لأحداث الدار البيضاء الارهابية في 16 ماي 2003.
في هذا السياق، تساءل مصطفى المانوزي رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن عن السياقات السياسية التاريخية لهذا الحدث وطبيعة الفاعلين فيه، وحساباتهم واحدا واحدا في تلك اللحظة المفصلية التي تم اصطلاحها بالانتقال المغربي الموسوم بمرور المغرب الرسمي إلى عهد جديد كان في بداياته الأولى يرتب أوضاعه الجديدة بكل استفهاماتها الوطنية والديمقراطية، مشيرا إلى ما يتميز به الوضع اليوم بعد عشرين سنة على واقعة 16 ماي وفي تلك القطعة المتحركة من زمن السياسة داخليا وخارجيا،وفي هذا الباب.
وقال المانوزي، إن “طرح الأمور بهذه الصيغة من شأنه أن يسهل علينا ليس فقط، إدراك تفاصيل الماضي على الصعيدين السياسي والأمني، بل وأيضا استخراج أهم آفاق المستقبل التي يمكن إيجاز أهمها في شرط الانتقال الأمني بكل مقتضياته الديمقراطية والقانونية، والحسم في مقولة نهاية الإسلام السياسي كورقة وهابية قديمة تفاعلا مع اختيار المغرب لمشروع الديمقراطية استراتيجيا وفي تفاعل مع ما يحدث في السياق الدولي الراهن وانحياز المملكة السعودية الجديد لتحالفات تسير في اتجاه نفي السابقة”.
من جانبه، اعتبر عبد الله الرامي الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية في مداخلة له بعنوان”نحو إعادة قراءة أحداث 16 ماي 2003″ ما جرى خلال تلك الأحداث أكبر من التيار السلفي بالمغرب الذي كان حينها يطبق فتاوى الألباني وانتقل للعمل السياسي متأثرا بحرب العراق والحرب الدائرة في الجزائر ما بين الجيش والجماعات الإسلامية المسلحة، لا يزال في بدايته وتعوزه الخبرة العسكرية لتنظيم عمليات مماثلة ، وبأن تنظيم القاعدة هو من كان خلف تلك الأحداث.
واستند الرامي على ذلك بتصريح أحد الأطر العسكرية المتمرسة والمقربة من ابن لادن يدعى عبد العزيز مقرين نشر خلال السنوات الأخيرة في مجلة مقربة من تنظيم القاعدة، موضحا بأن خلفية ما جرى في تفجيرات الدار البيضاء له علاقة باعتقالات تمت قبلها بسنوات لعناصر سعودية كانت تخطط للهجوم على باخرة أمريكية في مضيق جبل طارق.
من جهته اعتبر عبد اللطيف شهبون، الحقوقي وأستاذ التعليم العالي في مداخلة حول موضوع “مرتكزات لمقاربة ظاهرة التطرف والإرهاب”، أن هناك أربعة مرتكزات حقوقية التي يتعين الإستئناس بها لمقاربة التطرف والإرهاب باعتباره نتيجة للأول، وتتعلق بالحق في الأمن وما يرتبط به من حكامة أمنية، التربية على القيم مثل التسامح والمواطنة، الحق في العيش الكريم ضد كل أشكال الهشاشة، والحق في محاربة الأمية الحضارية التي تمنع من مواكبة ما يجري في حقل العلم من تطورات. وأشار عبد اللطيف شهبون في معرض تحليله لأحداث الدارالبيضاء الارهابية، إلى أن المغرب كان يعيش في وضع يتسم بالتسامح والاعتدال لننتقل إلى وضع نعيش فيه نمطا من التحول وأصبحنا إطارا حاضنا لإيديلوجيات وافدة فأصبحنا حينها نعيش في أتون ظرفية موسومة بالغلو والتطرف ضمن سياق ما بعد أحداث 11 سبتمبر، بحيث أصبح البعض يسبغ على ذلك الحدث الإرهابي سمة دينية، بينما يشكل الدين جوهرا أخلاقيا يتعالى عن مثل تلك الأفعال، يضيف شهبون.
بدوره، أكد حبيب حاجي رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان وعضو الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والارهاب، على أن الدولة المغربية لم تجرم التكفير الذي يكتسي صيغا متعددة نتيجة التحريض، علما أن القانون المغربي يتوفر على عدة فصول تتعلق بالتحريض والتي يمكن للدولة استعمالها لتجريم فعل التكفير بدقة.
واعتبر حاجي، أن الدولة تتحمل مسؤولية معنوية في انتشار الفكر المتطرف داخل المجتمع المغربي وما نجم عن ذلك من عمليات ومحاولات إرهابية باعتبار أنها أدخلت الوهابية في بداية سبعينيات القرن الماضي ولم تحمي المواطن من خطاب الكراهية كما كانت تعبر عنه حينها أشرطة كشك وغيره من الدعاة المتشددين، إضافة إلى إيقاف تدريس الفلسفة والسوسيولوجيا بالجامعة آنذاك. وخلص حبيب حاجي في مداخلته، إلى دعوة الدولة لمراجعة المقررات الدراسية وفق عقلية علمية وعقلانية، وبضرورة النضال من أجل مراجعة وتغيير المنظومة التربوية ثم القانونية.
أما عبد السلام أندلوسي ركز في عرضه حول “خطاب الكراهية والتضليل في الاعلام الاسباني، رصد لنماذج من الصحافة الورقية”، على كيفية تناول مجموعة من الصحافة الورقية الاسبانية (الباييس ، الموندو، ألفارو د سبتة والبويبلو د سبتة) خلال الفترة الممتدة ما بين 2007 و2012 للمشهد الديني الاسلامي بسبتة ومليلية ولتداعياته على عموم اسبانيا، مبرزا أن الإسلام بالمدينتين المحتلين سبتة ومليلية هو سني المذهب، أشعري العقيدة، ولاؤه لمؤسسة إمارة المومنين، بيد أنه منذ 2002 (أحداث امحطة القطار التي ضربت مدريد سنة 2004، حدث تراجع في صفوف مسلمي المدينتين المؤيدين لوزارة الأوقاف المغربية بعد انضمام أحد المحسوبين على الاتجاه المتشبت بالموقف المغربي الذي تعبر عنه وزارة الأوقاف ، والذي كان يحظى بشعبية في صفوف مغاربة المدينتين إلى صفوف السلطات الاسبانية، وقد نجم عن ذلك انقسام واصطفاف داخل مسلمي سبتة ما بين الموالين للمغرب وما بين الموالين لاسبانيا عبر جمعية UCIDE التي تسيطر عليها جماعة الدعوة والتبليغ التي سعت حينها للسيطرة على المساجد والزوايا والمرافق والجمعيات الدينية الإسلامية.
وقد خلص عبد السلام أندلوسي بعد دراسة مستفيضة ودقيقة لإشكالية حدود الموضوعية والتوازن الإخباري في المواكبة الاعلامية لتلك الصحف الأربعة لمكونات الحقل الديني الإسباني بإسبانيا عموما والمدينتين المحتلتين خصوصا إلى كون الخطاب الإعلامي للجرائد الأربعة يتسم بشبه اتفاق حول رفض نموذج الإسلام المغربي ووصاية وزارة الأوقاف علاوة على كونه يتسم بعدم التوازن الإخباري والانحياز في التعاطي مع الخبروإنتاج صورة نمطية كما تجلى ذلك بوضوح في عدم تمكين المرحوم الحاج محمد علي من تقديم تصريحات للصحافة الاسبانية لكونه في نظرها مقرب من الرؤية المغربية ولوزارة الأوقاف، وكذا تجاهل تلك المنابر الإعلامية لحادث إضرام النار من طرف مجهولين في جانب من مصلى العيد الذي أقامه الموالون لوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية سنة 2009، مضيفا بكون وسائل الإعلام الإسبانية منذ حرب الخليج الثانية وأحداث 11شتنبر تنسج مظهرا آخر للتهديد الإسلامي القادم من الجنوب وخصوصا من المغرب.
وفي سياق متصل، أبرز الأمين مشبال، أن الخطاب الإعلامي للجماعات الإسلاموية ينهل من مفاهيم ومرجعية متشابهة ومتقاربة ، وبأن الخلاف ما بينها ينحصر في التكتيك السياسي، أي ما بين من يريدون إقامة دولة الخلافة هنا والآن بواسطة العنف وإراقة الدماء ، وما بين من يسعون إليها تدريجيا عبر استغلال آليات الديمقراطية بغية التغلغل في المجتمع ومؤسسات الدولة للوصول إلى السلطة وتحقيق “التمكين” حسب المصطلح الرائج في أدبياتها.
واعتبر المتدخل أن المفاهيم/ المفتاح التي تؤطر المرجعية الفكرية والاستراتيجية السياسية للخطابات المتشددة يتلخص في ثلاثة مفاهيم رئيسة وتتلعق بالحاكمية والشورى والجهاد.
وأبرز مشبال، أنه انطلاقا من مفهوم الحاكمية الذي ابتدعه أبو الأعلى المودودي ونشره سيد قطب والذي يؤسس لدولة ثيوقراطية فإن كل المجتمعات الإسلامية التي لا تطبق الشريعة كما يتصورونها هي “جاهلة”، أما المفهوم الثاني في أدبيات تلك الجماعات والتيارات فهو “الشورى” وهو يقوم على توجيه النصيحة للخليفة أو السلطان من طرف أهل الحل والعقد ورفض الديمقراطية لكونها مفهوما إنسانيا ينبني على التعددية الفكرية والسياسية وحرية المعتقد وحرية العقيدة ويضمن حقوق الأقليات الدينية والثقافية والاقتصادية ، بينما هم يؤمنون بالأمة الواحدة حيث يذوب الفرد، كا يرفضون الديمقراطية لأنها تقوم على التناوب السياسي والتداول في السلطة وليس على خلود الزعيم في تدبير شؤون الرعية، أما الفكرة الثالثة التي يروج لها أصحاب هذا التيار فهي الجهاد الذي حرفوه من كونه دفاع عن الأوطان في وجه الغزاة والمستعمرين إلى فريضة تعبدية وإلى استباحة دماء من يخالف في الدين والعقيدة ونمط وفلسفة الحياة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
الاسم
البريد الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
التعليق *
للمزيد من التفاصيل...